فصل: تفسير الآيات (83- 84):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير القرآن العظيم (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (83- 84):

{وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا (83) إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا (84)}.
يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {وَيَسْأَلُونَكَ} يا محمد {عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ} أي: عن خبره. وقد قدمنا أنه بعث كفار مكة إلى أهل الكتاب يسألون منهم ما يمتحنون به النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: سلوه عن رجل طواف في الأرض، وعن فتية لا يدرى ما صنعوا، وعن الروح، فنزلت سورة الكهف.
وقد أورد ابن جرير هاهنا، والأموي في مغازيه، حديثا أسنده وهو ضعيف، عن عقبة بن عامر، أن نفرًا من اليهود جاؤوا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم عن ذي القرنين، فأخبرهم بما جاؤوا له ابتداء، فكان فيما أخبرهم به: «أنه كان شابا من الروم، وأنه بنى الإسكندرية، وأنه علا به ملك في السماء، وذهب به إلى السد، ورأى أقوامًا وجوههم مثل وجوه الكلاب». وفيه طول ونكارة، ورفعه لا يصح، وأكثر ما فيه أنه من أخبار بني إسرائيل. والعجب أن أبا زُرْعَة الرازي، مع جلالة قدره، ساقه بتمامه في كتابه دلائل النبوة، وذلك غريب منه، وفيه من النكارة أنه من الروم، وإنما الذي كان من الروم الإسكندر الثاني ابن فيليبس المقدوني، الذي تؤرخ به الروم، فأما الأول فقد ذكره الأزرقي وغيره أنه طاف بالبيت مع إبراهيم الخليل، عليه السلام، أول ما بناه وآمن به واتبعه، وكان معه الخضر، عليه السلام، وأما الثاني فهو، إسكندر بن فيليبس المقدوني اليوناني، وكان وزيره أرسطاطاليس الفيلسوف المشهور، والله أعلم. وهو الذي تؤرخ به من مملكته ملة الروم. وقد كان قبل المسيح، عليه السلام، بنحو من ثلثمائة سنة، فأما الأول المذكور في القرآن فكان في زمن الخليل، كما ذكره الأزرقي وغيره، وأنه طاف مع الخليل بالبيت العتيق لما بناه إبراهيم، عليه السلام، وقرب إلى الله قربانًا، وقد ذكرنا طرفًا من أخباره في كتاب البداية والنهاية، بما فيه كفاية ولله الحمد.
وقال وهب بن منبه: كان ملكًا، وإنما سمي ذا القرنين لأن؛ صفحتي رأسه كانتا من نحاس، قال: وقال بعض أهل الكتاب: لأنه ملك الروم وفارس.
وقال بعضهم: كان في رأسه شبه القرنين، وقال سفيان الثوري عن حبيب بن أبي ثابت، عن أبي الطفيل قال: سئل علي، رضي الله عنه، عن ذي القرنين، فقال: كان عبدًا ناصحَ الله فناصَحَه، دعا قومه إلى الله فضربوه على قرنه فمات، فأحياه الله، فدعا قومه إلى الله فضربوه على قرنه فمات، فسمي ذا القرنين.
وكذا رواه شعبة، عن القاسم بن أبي بَزَّة عن أبي الطفيل، سمع عليًا يقول ذلك.
ويقال: إنه إنما سمي ذا القرنين؛ لأنه بلغ المشارق والمغارب، من حيث يطلع قرن الشمس ويغرب.
وقوله {إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأرْضِ} أي: أعطيناه ملكًا عظيمًا متمكنًا، فيه له من جميع ما يؤتى الملوك، من التمكين والجنود، وآلات الحرب والحصارات؛ ولهذا ملك المشارق والمغارب من الأرض، ودانت له البلاد، وخضعت له ملوك العباد، وخدمته الأمم، من العرب والعجم؛ ولهذا ذكر بعضهم أنه إنما سمي ذا القرنين؛ لأنه بلغ قرني الشمس مشرقها ومغربها.
وقوله: {وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا}: قال ابن عباس، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وعكرمة، والسدي، وقتادة، والضحاك، وغيرهم: يعني علمًا.
وقال قتادة أيضًا في قوله: {وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا} قال: منازل الأرض وأعلامها.
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله: {وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا} قال: تعليم الألسنة، كان لا يغزو قومًا إلا كلمهم بلسانهم.
وقال ابن لَهيعة: حدثني سالم بن غَيْلان، عن سعيد بن أبي هلال؛ أن معاوية بن أبي سفيان قال لكعب الأحبار: أنت تقول: إن ذا القرنين كان يربط خيله بالثريا؟ فقال له كعب: إن كنت قلت ذلك، فإن الله تعالى قال: {وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا}.
وهذا الذي أنكره معاوية، رضي الله عنه، على كعب الأحبار هو الصواب، والحق مع معاوية في الإنكار؛ فإن معاوية كان يقول عن كعب: إن كنا لنبلو عليه الكذب يعني: فيما ينقله، لا أنه كان يتعمد نقل ما ليس في صحيفته، ولكن الشأن في صحيفته، أنها من الإسرائيليات التي غالبها مبدل مصحف محرف مختلق ولا حاجة لنا مع خبر الله ورسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شيء منها بالكلية، فإنه دخل منها على الناس شر كثير وفساد عريض. وتأويل كعب قول الله: {وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا} واستشهاده في ذلك على ما يجده في صحيفته من أنه كان يربط خيله بالثريا غير صحيح ولا مطابق؛ فإنه لا سبيل للبشر إلى شيء من ذلك، ولا إلى الترقي في أسباب السموات. وقد قال الله في حق بلقيس: {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} [النمل: 23] أي: مما يؤتى مثلها من الملوك، وهكذا ذو القرنين يسر الله له الأسباب، أي: الطرق والوسائل إلى فتح الأقاليم والرَّسَاتيق والبلاد والأراضي وكسر الأعداء، وكبت ملوك الأرض، وإذلال أهل الشرك. قد أوتي من كل شيء مما يحتاج إليه مثله سببًا، والله أعلم.
وفي المختارة للحافظ الضياء المقدسي، من طريق قتيبة، عن أبي عوانة عن سماك بن حرب، عن حبيب بن حماز قال: كنت عند علي، رضي الله عنه، وسأله رجل عن ذي القرنين: كيف بلغ المشارق والمغارب؟ فقال سبحان الله سخر له السحاب، وقَدَّر له الأسباب، وبسط له اليد.

.تفسير الآيات (85- 88):

{فَأَتْبَعَ سَبَبًا (85) حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا (86) قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا (87) وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا (88)}.
قال ابن عباس: {فَأَتْبَعَ سَبَبًا} يعني: بالسبب المنزل.
وقال مجاهد: {فَأَتْبَعَ سَبَبًا}: منزلا وطريقًا ما بين المشرق والمغرب.
وفي رواية عن مجاهد: {سَبَبًا} قال: طريقا في الأرض.
وقال قتادة: أي أتبع منازل الأرض ومعالمها.
وقال الضحاك: {فَأَتْبَعَ سَبَبًا} أي: المنازل.
وقال سعيد بن جبير في قوله: {فَأَتْبَعَ سَبَبًا} قال: علمًا.
وهكذا قال عكرمة وعبيد بن يعلى، والسدي.
وقال مطر: معالم وآثار كانت قبل ذلك.
وقوله: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ} أي: فسلك طريقًا حتى وصل إلى أقصى ما يسلك فيه من الأرض من ناحية المغرب، وهو مغرب الأرض. وأما الوصول إلى مغرب الشمس من السماء فمتعذر، وما يذكره أصحاب القصص والأخبار من أنه سار في الأرض مدّة والشمس تغرب من ورائه فشيء لا حقيقة له. وأكثر ذلك من خرافات أهل الكتاب، واختلاق زنادقتهم وكذبهم.
وقوله: {وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ} أي: رأى الشمس في منظره تغرب في البحر المحيط، وهذا شأن كل من انتهى إلى ساحله، يراها كأنها تغرب فيه، وهي لا تفارق الفلك الرابع الذي هي مثبتة فيه لا تفارقه.
والحمئة مشتقة على إحدى القراءتين من الحمأة وهو الطين، كما قال تعالى: {إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ} [الحجر: 28] أي: طين أملس. وقد تقدم بيانه.
وقال ابن جرير: حدثني يونس، أخبرنا ابن وهب حدثنى نافع بن أبي نعيم، سمعت عبد الرحمن الأعرج يقول: كان ابن عباس يقول {فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ} ثم فسرها: ذات حمأة. قال نافع: وسئل عنها كعب الأحبار فقال: أنتم أعلم بالقرآن مني، ولكني أجدها في الكتاب تغيب في طينة سوداء.
وكذا روى غير واحد عن ابن عباس، وبه قال مجاهد وغير واحد.
وقال أبو داود الطيالسي: حدثنا محمد بن دينار، عن سعد بن أوس، عن مِصْدَع، عن ابن عباس، عن أبيّ بن كعب؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرأه {حَمِئَةٍ}
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: {وجدها تغرب في عين حامية} يعني: حارة.
وكذا قال الحسن البصري.
وقال ابن جرير: والصواب أنهما قراءتان مشهورتان وأيهما قرأ القارئ فهو مصيب.
قلت: ولا منافاة بين معنييهما، إذ قد تكون حارة لمجاورتها وَهْج الشمس عند غروبها، وملاقاتها الشعاع بلا حائل و{حَمِئَةٍ} في ماء وطين أسود، كما قال كعب الأحبار وغيره.
وقال ابن جرير: حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا العوام، حدثني مولى لعبد الله بن عمرو، عن عبد الله قال: نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الشمس حين غابت، فقال: «في نار الله الحامية في نار الله الحامية، لولا ما يزعها من أمر الله، لأحرقت ما على الأرض».
قلت: ورواه الإمام أحمد، عن يزيد بن هارون. وفي صحة رفع هذا الحديث نظر، ولعله من كلام عبد الله بن عمرو، من زاملتيه اللتين وجدهما يوم اليرموك، والله أعلم.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا حجاج بن حمزة، حدثنا محمد- يعني ابن بشر- حدثنا عمرو بن ميمون، أنبأنا ابن حاضر، أن ابن عباس ذكر له أن معاوية بن أبي سفيان قرأ الآية التي في سورة الكهف {تغرب في عين حامية} قال ابن عباس لمعاوية ما نقرؤها إلا {حَمِئَةٍ} فسأل معاوية عبد الله بن عمرو كيف تقرؤها: فقال عبد الله: كما قرأتها. قال ابن عباس: فقلت لمعاوية: في بيتي نزل القرآن؟ فأرسل إلى كعب فقال له: أين تجد الشمس تغرب في التوراة؟ فقال له كعب: سل أهل العربية، فإنهم أعلم بها، وأما أنا فإني أجد الشمس تغرب في التوراة في ماء وطين. وأشار بيده إلى المغرب. قال ابن حاضر: لو أني عندكما أفدتك بكلام تزداد فيه بصيرة في حمئة. قال ابن عباس: وإذًا ما هو؟ قلت: فيما يؤثر من قول تُبَّع، فيما ذكر به ذا القرنين في تخلقه بالعلم واتباعه إياه:
بَلَغَ المشَارقَ والمغَارِبَ يَبْتَغِي ** أسْبَابَ أمْرٍ مِنْ حَكِيمٍ مُرْشِد

فَرَأى مَغِيبَ الشَّمْسِ عِنْدَ غُرُوبها ** فِي عَيْنِ ذِي خُلب وَثأط حَرْمَدِ

قال ابن عباس: ما الخُلَب؟ قلت: الطين بكلامهم. يعنى بكلام حمير. قال: ما الثاط؟
قلت: الحمأة. قال: فما الحرْمَد؟ قلت: الأسود. قال: فدعا ابن عباس رجلا أو غلامًا فقال: اكتب ما يقول هذا الرجل.
وقال سعيد بن جبير: بينا ابن عباس يقرأ سورة الكهف فقرأ: {وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ} فقال كعب: والذي نفس كعب بيده ما سمعت أحدًا يقرؤها كما أنزلت في التوراة غير ابن عباس، فإنا نجدها في التوراة: تغرب في مدرة سوداء.
وقال أبو يعلى الموصلي: حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل، حدثنا هشام بن يوسف قال: في تفسير ابن جريج {وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا} قال: مدينة لها اثنا عشر ألف باب، لولا أصوات أهلها لسمع الناس وُجُوب الشمس حين تجب.
وقوله: {وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا} أي: أمة من الأمم، ذكروا أنها كانت أمة عظيمة من بني آدم.
وقوله: {قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا} معنى هذا: أن الله تعالى مكنه منهم وحكمه فيهم، وأظفره بهم وخيره: إن شاء قتل وسبى، وإن شاء منّ أو فدى. فعرف عدله وإيمانه فيما أبداه عدله وبيانه في قوله: {أَمَّا مَنْ ظَلَمَ} أي: من استمر على كفره وشركه بربه {فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ} قال قتادة: بالقتل: وقال السدي: كان يحمي لهم بقر النحاس ويضعهم فيها حتى يذوبوا.
وقال وهب بن منبه: كان يسلط الظلمة، فتدخل أفوافهم وبيوتهم، وتغشاهم من جميع جهاتهم والله أعلم.
وقوله: {ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا} أي: شديدًا بليغًا وجيعًا أليمًا. وفيه إثبات المعاد والجزاء.
وقوله: {وَأَمَّا مَنْ آمَنَ} أي: تابعنا على ما ندعوه إليه من عبادة الله وحده لا شريك له {فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى} أي: في الدار الآخرة عند الله، عز وجل، {وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا} قال مجاهد: معروفًا.

.تفسير الآيات (89- 91):

{ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (89) حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا (90) كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا (91)}.
يقول: ثم سلك طريقًا فسار من مغرب الشمس إلى مطلعها، وكان كلما مرّ بأمة قهرهم وغلبهم ودعاهم إلى الله عز وجل، فإن أطاعوه وإلا أذلهم وأرغم آنافهم، واستباح أموالهم، وأمتعتهم واستخدم من كل أمة ما يستعين به مع جيوشه على أهل الإقليم المتاخم لهم.
وذكر في أخبار بني إسرائيل أنه عاش ألفا وستمائة سنة يجوب الأرض طولها والعرض حتى بلغ المشارق والمغارب. ولما انتهى إلى مطلع الشمس من الأرض كما قال الله تعالى: {وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ}.
أي: أمة {لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا} أي: ليس لهم بناء يكنهم، ولا أشجار تظلهم وتسترهم من حر الشمس.
قال سعيد بن جبير: كانوا حُمرًا قصارًا، مساكنهم الغيران، أكثر معيشتهم من السمك.
وقال أبو داود الطيالسي: حدثنا سهل بن أبي الصلت، سمعت الحسن وسئل عن قوله تعالى: {لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا} قال: إن أرضهم لا تحمل البناء فإذا طلعت الشمس تغوروا في المياه، فإذا غربت خرجوا يتراعون كما ترعى البهائم. قال الحسن: هذا حديث سمرة.
وقال قتادة: ذكر لنا أنهم بأرض لا تنبت لهم شيئًا، فهم إذا طلعت الشمس دخلوا في أسراب، حتى إذا زالت الشمس خرجوا إلى حروثهم ومعايشهم.
وعن سلمة بن كُهَيْل أنه قال: ليس لهم أكنان، إذا طلعت الشمس طلعت عليهم، فلأحدهم أذنان يفترش إحداهما ويلبس الأخرى.
قال عبد الرزاق: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: {وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا} قال: هم الزنج.
وقال ابن جريج في قوله: {وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا} قال: لم يبنوا فيها بناء قط، ولم يبن عليهم فيها بناء قط، كانوا إذا طلعت الشمس دخلوا أسرابًا لهم حتى تزول الشمس، أو دخلوا البحر، وذلك أن أرضهم ليس فيها جبل، جاءهم جيش مرة فقال لهم أهلها: لا تطلعن عليكم الشمس وأنتم بها. قالوا: لا نبرح حتى تطلع الشمس، ما هذه العظام؟ قالوا: هذه جيفُ جيش طلعت عليهم الشمس هاهنا فماتوا. قال: فذهبوا هاربين في الأرض.
وقوله: {كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا} قال مجاهد، والسدي: علمًا، أي: نحن مطلعون على جميع أحواله وأحوال جيشه، لا يخفى علينا منها شيء، وإن تفرقت أممهم وتقطعت بهم الأرض، فإنه تعالى: {لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ} [آل عمران: 5]